معرض

الجزء الأول من سيرة حياة الفنان الراحل خدر فقير(1)


الفنان خدر فقير بالزي السنجاري التراثي

الفنان خدر فقير بالزي السنجاري التراثي

عندما يصبح المرء عاشقاً لكل بذرة من تراب أرضه ويعشق كل حجر من حجارة الجبلِ فينمو بداخله الحب والعطاء حتى يلاقي ذلك الإنسان الذي يندمج معه الروح والفكر والعقل.. عندها تجتمع أواصر العشق جميعا لينتج منها شاعراً او فيلسوفاً أو فارساً بطلاً أو رساماً مشهوراً أو فناناً ترتاح لألحانه وكلماته وصوته الأذان والأنفسُ، وتعيش الأغاني لتصبح خالدة في وجدان الناس.. كل تلك الصفات تجتمع في شخصية موضوعنا لهذا العدد، رجلٌ ترعرع في بيئة العشق لكل شيء وعاش من أجل العشق وتوفي بسبب العشق.. ألا وهو عماد الفلكلور والتراث الغنائي الشنكالي .. الفنان الراحل خدر فقير.

ارتأينا التحدث عنه وتناول سيرة حياته، كي نقدمها للقرّاء عسى نعطيه ولو القليل جدا من الوفاء على ما بذله من سعي في الحفاظ على التراث والفلكلور في منطقة شنكال وظل يغني الملاحم العاطفية والبطولات والمآثر، ذاكراً ما فيها من أحزان وويلات وفرمانات جرت على شنكال وأهلها وعلى الأكراد بشكل عام ومنهم الأيزديين.

ولادة خدر فقير، نشأته وعائلته:

خدر فقير من عشيرة الفقراء(2) في منطقة شنكال واسمه الكامل خدر ابن خديدا ابن كجل ابن برو ابن اومر من آل زروzero(3).

ولادة خدر فقير كانت في قرية (سمى هيستر semi histir) بـ كةرسى(4) في سنة 1952م ومسجل في السجلات الرسمية بمواليد 1950م.. والدته عدول ابراهيم خلف وهي قريبة والده في النسب.. له من الإخوة خمسة أشقاء وأختٌ واحدة (الياس، سيدو، شمو، بركات، نعام، قاسم).. توفي الشقيق الأكبر سنة 2006م، فيما اخوانه الباقون أحياء ويعيشون في مجمع بورك الآن، أما أخته الوحيدة فهي متزوجة وتعيش مع عائلتها في كةرسى.

تزوج الراحل خدر فقير من غزال درويش حسين وهي الأخرى من عشيرة الفقراء والتي أنجبت له أولاداً وبنات (علي، ميان، تحسين، اسماعيل، سعيد، خيري، هدية، دلفين، دلخواز، رووكةن، ناصر)

تزوج علي مرتين و زوجتاه من عشيرة الفقراء وتعيشان معه في مجمع بورك وله من الأولاد (كازين kajin، كافين kavin، ئةفينavin، خلف، شكري، كوليستان).

ميان متزوجة في مجمع زورئافا ومن أحد أقربائها هناك ولها من الأولاد (زيري، صلاح، سعد، كوليستان، فيان، دلدار).. وأما ابنه الثاني تحسين، فقد تزوج من احدى بنات عشيرة الفقراء وله من الأولاد (غزال، ديار).

اسماعيل.. خريج السادس العلمي ويداوم بوظيفة معلم في مدرسة (بورجا بةلةكburga belek) الكوردية بمجمع كوهبةل، متزوج وله من الأولاد ( سامان، سبهان) ويعيش في مجمع بورك.

سعيد.. متزوج من احدى قريباته ويعيش في مجمع بورك وله طفلٌ واحد اسمه دلوفان، أما خيري فأنه يدرس طالباً في السادس الأدبي بمجمع بورك.

هدية.. متزوجة وتعيش في مجمع بورك، أما دلفين .. فقد تزوجت احد أقربائها في بورك، دلخواز.. طالبة في مرحلة الابتدائية، رووكةن.. ترك الدراسة الابتدائية، ناصر.. آخر العنقود في عائلة الراحل خدر فقير وهو طالب في الصف الثالث الابتدائي.

وتجدر بنا الإشارة هنا في أن علي وتحسين يعدّان الآن من الفنانين المشهورين على مستوى الغناء التراثي والفلكلوري في شنكال ولهما مكانتهما في الحفلات الاجتماعية والرسمية، وهما يحاولان أن يحذوا حذو والدهما في مسيرة الغناء الفلكلوري.

البيئة التي عاش فيها:

ترعرع الفنان خدر فقير في قرى كةرسى وبالضبط في مسقط رأسه قريتي سمى هيسترsimmi histir و كولكاkolka الواقعتين في الجهة الشمالية من جبل شنكال(سنجار)، في ظل معيشة صعبة كان أهالي شنكال يعانون منها بسبب الفقر الذي عم المنطقة ولعل هذه السمة لا زال الشنكاليون يعانون منها.. ذهب الى المدرسة وداوم فيها حتى الصف الخامس الابتدائي بإحدى المدارس في كةرسى(لم نستطع الحصول على اسم المدرسة) وبسبب مشاكل عشائرية حدثت بين عائلته وعائلة قريب لهم.. رحلت عائلته من قريتهم الى قرية مللكmillik في كةرسى ثم الى قرية بةرانه berane ، مما اضطره الى ترك المدرسة مبكراً، ولا شك في أن هذا الأمر كان له أثر كبير وصعب على عائلته والتي اضطرت الى تحمل نتائج تلك المشكلة العشائرية ومنها ترك خدر فقير لدراسته الابتدائية لاسيما انه كان شاطراً وذكياً بفكره واستيعابه للأمور حسب ما قُيِّل لنا.. بعد سنوات من تركهم لقريتهم وأملاكهم من أراضي زراعية وأشجار التين.. عادت عائلة خدر فقير الى قرية مللك واستقروا فيها حتى حدوث مشكلة عشائرية أخرى لعائلتهم اضطرتهم بالعودة الى قريته القديمة سمى هيستر، ومن هذيّن الأمرين يتبين لنا أن الظروف التي عاش فيها خدر فقير اتسمت بالمشاكل العشائرية والتي أثرت على حياتهم ومعيشتهم بشكل سلبي وهذا ما يؤدي بنا للقول في أن تلك الفترة (الخمسينات والستينات من القرن الماضي) تميزت بها شنكال ومناطقها بالمشاكل العشائرية.. كما كان لعائلته نصيب الرحيل الى منطقة الشيخان او ما يسميه الشنكاليين بـ منطقة ولاطى شيخ في فترة بدايات السبعينات بسبب تفشي الفقر وعدم هطول الأمطار في شنكال والتي أثرت على المنتوجات الزراعية ورعاية المواشي والتي كانت تعتبر المؤونة الأساسية لمعيشة الشنكاليين.

لم يذهب خدر فقير الى العمل لكسب المعيشة كما كان أهالي شنكال يفعلون لكسب قوت العيش وكان مدللا عند والديّه.. ونستطيع القول في أن غنائه ساعده في تسيير بعض أموره المادية ولاسيما اشتراكه في الحفلات الفلكلورية في دواوين الكبار ورؤساء العشائر والأغوات بمختلف المناسبات وأغلبها كانت حفلات الزواج.

 

مرحلة الزواج:

تزوج خدر فقير عن حب ولعل هذه ميّزة امتاز بها الراحل كون اسلوب الزواج بتلك الفترة كان عن طريق الخطوبة دون علم الشاب والفتاة.. وكل مَن عرف ويعرف خدر فقير، يعرف ويدرك تلك المكانة المميزة لزوجته لديه، وهناك من الأحداث بهذا الشأن سنأتي الى ذكرها لاحقاً.

تزوج خدر فقير من غزال سنة  1974م*، وأصبحت شريكة عمره في كل شيء، وعدا تربيتها لأولادهما فقد كانت الحافز الأساسي لتطور فن خدر فقير وغنائه حيث كانت ملهمته والسند القوي له في السرَّاء والضرَّاء.. ومقولة (وراء كل رجل عظيم.. امرأة عظيمة) انطبقت على الفنان خدر فقير لما لزوجته من دور كبير في حياته.

وعبر علاقتهما القوية وتفاهمها الكبير.. أصبحت غزال(5) تتعلم سرد تلك القصص الغنائية النابعة من الفلكلور الشنكالي الأصيل، لكنها لم تكن تغني ولم يحدث إن غنَّت بيوم من الأيام.

الهوامش:

(1)   استفدت من الفنانيّن علي و تحسين ابنيّ الفنان خدر فقير في كتابة سيرة حياة والدهما.

(2)   عشيرة الفقراء: وتمثل شريحة واسعة من فئات المجتمع الأيزدي وأفرادها يطلقون لحاياهم (موروث ديني) وهذا ما يميّزهم عن باقي شرائح المجتمع، يقطنون قرى كرعزير وتل قصب و سولاخ وبورك وكوهبةل وزورئافا وجدالى.. ولعل أشهر رجالات هذه العشيرة هو الباشا حمو شرو.

(3)   دايى زةرو zero: دايى زةرو= الأم زَرو..  اسم والدة اومر.. الجد الثاني للفنان خدر فقير وحسب القول ظهر لديها بعض الكرامات وكانت تساعد الناس في النصح حيث كانوا يلتجئون اليها كلما ضاقت بهم الأحوال وكانت تزيد من إيمانهم بالأمل والإيمان بالله في أنه مدبر الأمور ومعين للأهوال.. وجسدها مدفون في مقبرة شيخ ابو القاسم والمعروف بـ شبيل قاسم عند الشنكاليين حيث يؤم قبرها النساء المحرومات من الذرّية والإنجاب، فيعلقون بعض الأشياء المعبّرة طلباً وتمنياً بالأطفال.

(4)   كةرسى kersi: من المناطق الجميلة في شنكال والتي تطل على الجانب الشمالي الجبل، يؤمها الناس من كافة مناطق شنكال وحتى من خارجها للاصطياف والسفرات العائلية والرسمية، كانت مركزا للناحية في العشرينات من القرن الماضي، وتم نقل مركز الناحية منها الى قصبة سنونى سنة 1961م. وفي منتصف السبعينات قامت الحكومة العراقية بترحيل أهالي كةرسى والتي كانت تضم عشائر(الفقراء، الدخيان، الكوركوركا) وتم تجميعهم في مجمعات سكنية بـ خانةسور وبورك و كرعزير وبعض المجمعات السكنية الأخرى والتي تحولت عناوينها وبأمر من السلطات الحاكمة وتنفيذا لمخططاتها الشوفينية الى أسماء عربية (مجمع التأميم ومجمع اليرموك ومجمع القحطانية)، ورغم مكانتها السياحية.. الا أن هذه المنطقة نالت الإهمال والتقصير المتعمد من قِبَل الحكومات المتعاقبة ولا زالت الخدمات فيها دون مستوى الطموح كونها من المناطق التي يلتجأ اليها الناس لقضاء أوقات عطلاتهم وإقامة الحفلات والمناسبات الرسمية والاجتماعية في ربوعها.

(5)   استفسرتُ من الأخوين علي و تحسين عن تلك الأخبار التي أشيعت في أن والدتهما كانت تغني الفلكلور و كانت تعرف العزف على الطمبورة الكوردية.. لكنهما نفيا الأمر تماماً وقالا انها مجرد إشاعات غير مسؤولة تحدثت عن والدتنا.. لكنها كانت تعرف القصص والملاحم الغنائية سرداً دون أن تغنيها.

*نعتذر عن عدم وضع سنة زواج الفنان عند نشر الموضوع في مجلة محفل بعددها السابع لخطأ غير مقصود في ص91 من المجلة وقد صححناه عند نشرنا للموضوع بمواقع النت.

ملاحظة: الموضوع خاص بمجلة محفل في عددها السابع للموسم الربيعي سنة 2012م، ونتمنى أن نكون بقدر المسؤولية في طرح سيّر حياة فناني التراث وتوثيقها، ومنهم الطيب الذكر خدر فقير ونرجو ممَّن لديه ملاحظة أو تعقيب أو إضافة على مواضيعنا في أن يثرينا بها من اجل الصالح العام.. مع تقديري واحترامي للجميع.

– يتبع الجزء الثاني والأخير-

مصطو الياس الدنايي

3/ 4/ 2012

الفنان خدر فقير مع ابنه تحسين

الفنان خدر فقير مع ابنه تحسين

الفنان خدر فقير مع زوجته وطفليه

الفنان خدر فقير مع زوجته وطفليه

أضف تعليق