معرض

كردستان وفلسطين قضيتان تحت الطلب


 للحرية طعم واحد، يصبح علقماً، عندما تطعم بسموم الانتهازيين، الذين يستغلون اختلال موازين الطغاة بفعل الثورات، يتحركون يوم تصبح الحقوق غائبة و تهدرالكرامة، ينبثقون من أعماق مستنقعات الفساد، يعفنون حرية المجتمعات، فيعبث بها المنافقون، تخسر الشعوب حينها أوطانها بسبب فساد شرائح المتسلقين الباحثين عن مصالحها المتدنية، والمتراكضة ابداً وراء الاجندات الخارجية.د. محمود عباس

 كردستان وفلسطين أنعكاس فظيع لهذا العبث السياسي الداخلي والنفاق الدولي، وضعت القضيتان في العديد من الموازين البشرية، الكردية في العتم الإنساني والتهميش الدولي المتعمد، والفلسطينية في مقدمة القضايا الدولية والأروقة السياسية العالمية، لكن النتيجة  متشابهة، بقيتا في السجون المظلمة بدون حلول، صنفت سجلاتهم على رفوف الهيئات العالمية، تظهر وتثار عند الحاجة، وتحت أجندات ذاتية خاصة، نتائجها على مصير الشعبين، المليء بالمآسي، تجاوزت آفاق العدالة البشرية وحقوق الإنسان .

  المقارنة بين القضيتين كثيرا ما تخرج من حكم العدالة، المآىسي هي نفسها إن كانت موجهة لعائلة أو شعب بأكمله، الحكومات العربية بشكل خاص والإسلامية بشكل عام كانوا من أوائل الذين أفظعوا في تغيير الموازين بين مصالح الشعوب والأنظمة الشمولية، لم يعد خافيا ما يجري بين الدول الخارجية – الصديقة شكلاً – وبين الحكومات والدول التي تحتل الجغرافيتين، أتفاقيات ومصالح مشتركة ومتبادلة تتجاوز حرية الشعبين وحقوق الإنسان، معظمها مصالح ذاتية غارقة في الأنانية.

   الأنظمة الشمولية المتناسية للمطلق الإلهي لفرض ذاتها الحاضرة الوجود، والدول التي تتزعم الريادة في الدفاع عن حقوقهما، وفي مقدمتهم طغاة الصمود والتصدي، لم يتورعوا يوماً في أغراق  الشعب الفلسطيني في ضحالة االمستنقعات وأعماق أروقة الضياع السياسي – العسكري، تحت شعار المقاومة والمجابهة، وذلك كمطية للسيطرة على شعوبهم لاطول فترة زمنية ممكنة. والحكومات الدكتاتورية التي تستعمر كردستان،  تستخدم أفسد أنواع الثقافات، الممتلئة بعنصرية عرقية أولاً ومفاهيم دينية سياسية مشوهة ثانياً، يحركونهم عند الحاجة إلى اجندات ذاتية خاصة، وبالمقابل الدول الكبرى تعمدت السكوت على محاولات القضاء على قضيتهم، تاريخاً وجغرافية.

  الاستهتار بجميع الحلول الممكنة للقضيتين في الشرق الاوسط ، من قبل  مراكز القرار العالمي، أصبح واقع متعارف عليه بين هذين الشعبين، أوصلت بهم  إلى درجة انعدام الثقة التامة بالهيئات الإنسانية و دول العالم، كثيرا ما أفسدت الحلول الدولية تلاعب الطغاة المتسلطة على حكومات الشعوب الصديقة من أجل مصالحها الذاتية،  هؤلاء هم الذين  يستعملون القضيتين  كمطية عند الطلب.

  لم يكن من قبيل الصدفة ظهور صواريخ عشوائية الإتجاهات كفتاوي أئمة ولاية الفقيه في الفترة  التي بلغت فيها الثورة السورية أبعادها النهائية. الفلسطينيين يدركون أن اسرائيل هي نفسها لم تتغير، لكن الذي تغير هي الأجندات المطروحة على كتائب المقاومة، وعليهم تنفيذها، الكل يعلم  أن فلسطين لا يتحرر هكذا، والمعابر لا تفتح، ولن يتوسع محيط أراضي القطاع، ولن يتمكن صيادي غزة من التعمق في المياه اكثر من المجال المحدد لهم، بهذه المعارك الفجائية الجانبية، لكن الذي سيتغير هو أهتمام الرأي العام العالمي والاعلام العربي والدولي إلى الصراع الفلسطيني – الاسرائيلي اليوم وليس الغد، وفيما وراء الحدث هناك يتهدم النظام السوري، ويجب غض الطرف عنه قليلا، أياً كان الذي أثارَ هذا الصراع الأبدي الآن، والموجود قبل التكوين االعربي الإسلامي، الحاضر منذ أكثر من ثلاثة آلاف سنة بين  شعبين، والذي تحول مع التاريخ والحضارات إلى صراع ديني – قومي. يكونوا قد خدموا بها السلطة السورية بكل ابعادها الإعلامية والسياسية، الرابح الوحيد كانوا آل الأسد، والخاسر الأكبر هم شعب غزة.

   كانت معركة – بالنسبة للبعض – للبحث عن آفاق إعادة الثقة بالذات والحلقات الدبلوماسية المتغيرة والمهترئة بين سنة وأخرى، دون اعتبار للبيوت التي دمرت والعائلات التي شردت بلا مؤى، والشهداء الذين بلغوا المئات، مع غياب لتقييم المآىسي التي لا تحصى وأضيفت إلى أكوام المصائب الماضية، فقط كانت الخطة هو أن تبرز شخصية سياسية ويتباهى بالانتصار الوهمي، كانتصار حافظ الأسد في حرب تشرين يوم قال ( خسرنا بشرف ) أو انتصار سادات لمعركة الكرامة بلا شرف، مثلهم بعض من الاعلاميين الفلسطينيين أو المتاجرين بدماء شعبهم، امثال السيد عبدالباري عطوان الذي لا ينظر إلى تدمير فلسطين شعباً وارضاً بقدر ما ينظر إلى المعركة الخاسرة سلفاً، فقط ليسميها بمعركة الكرامة، ويملئ صفحات القدس العربي بالانتصارات التاريخية التي احرزها على صفحاتها، يتناسى هذا الرجل أن كتائب قسام اطلقوا أكثر من الف صاروخ عشوائية المسيرات – هدايا أئمة ولاية الفقيه – لم يقتلوا بهم سوى بالصدفة اربع أسرائيليين، وبالقلم خلق السيد عطوان المستحيل من العدم، ولأن للإنسان قيمة في اسرائيل كانت الهجمة الهمجية، ادت إلى استشهاد قائد كتائب القسام مع الدمار والفظائع في القطاع.

  مثيري هذه المعارك الوهمية، بلغوا غايتهم، إن كان ورائها اسرائيل (الفرضية ) فهي لم تكن غايتها الانتصار على قوات المقاومة، بل ضرب الثورة السورية اعلاميا ومعنويا، وتطويل عمر آل الأسد أطول فترة ممكنة لتكتمل المخططات التي تدرس في الاروقة السياسية العالمية، وهذا من حقها كدولة تحافظ على كيانها كما يريد الآخر ذلك، ولا نستبعد الغاية الأبعد وهي إثارة الرأي الدولي قبل ذهاب القضية الفلسطينية إلى قاعة الأمم المتحدة، والتي ربحتها الدولة الفلسطينية بالأغلبية واصبحت عضوة مراقبة، بدون الصواريخ الأيرانية، بالمقابل ربحت اسرائيل في بعض ما خططته وخسرت في أخرى.

 إن كانت ورائها أئمة ولاية الفقيه وآل الاسد ( الحقيقة ) فهم بلغوا بعض الطريق من النجاح. اخمدت قبل بلوغ الغاية من قبل القوى التي تدعم الثورة السورية، مصر وتركيا وبدعم مباشر من الولايات المتحدة الأمريكية والخسائر دفعتها دولة قطر، أضيف إلى كل ذلك  دعم أعلامي باظهار المقاومة منتصرة سياسياً ونفسياً، مع صمت اسرائيلي أو نقد مبطن لاسكات صوت الشعب الفلسطيني، وكل هذا متفق عليه في الأروقة الدولية التي أبطلت المؤامرة والتي كان حطبها الثورة السورية.

  لا نبعد الغاية الأبعد  والمخطط من قبل كتائب المقاومة لجلب أنتباه العالم إلى مأساة القطاع المادي والمعيشي بعد تدمير المعابر تحت الأرض  واغلاق الأبواب الحدودية، وفعلاً كانت النتيجة دعم مادي ما، لكنها ادت إلى حل مؤقت على حساب المآىسي الفظيعة والمتعددة ضمن القطاع بشكل خاص .

 لا يختلف واقع الكورد عنهم، حركات سياسية تنتقل من اجندات دول وحكومات إلى اخرى تتغير المواقف حسب الطلب. في داخل الثورة السورية، بعضهم غارقون في الصراع السوري حاملين الشعار الوطني  على حساب المطلب القومي، مندمجين في اجندات قوى تصارع الهلال الشيعي، وقوى أخرى شكلت تحالف استراتيجي مع الهلال الشيعي، يجندون القضية لمصالح واجندات حكومات، عندهم القضية الكردية أخر نقطة يمكن التحاور عليه، بين هذين التيارين هناك  أطراف أخرى تتبع اجندات جانبية لها مصالح هامشية في المنطقة بشكل عام، تثار القضية وتخمد عند الحاجة، يحركون الشارع الكردي ويهدؤنه بناءً على وتيرة العلاقات  الخارجية للدول المحيطة بالمنطقة، تنضم الأحزاب إلى الإئتلاف الوطني أو تتخلف عنها حسب الطلب، وجود البعض في هيئة التنسيق الوطنية تخدم غايات ابعد من القضية الكردية الداخلية، وهي تضر بالواقع الكوردي العام أكثر من الواقع السوري. والواقع الكردستاني، تثار في الدول التي تقسمها، حسب المستجدات والمصالح الخارجية، دولة تحرك القسم الموجود في جغرافية الدولة الأخرى، عالميا تحرك القضية القومية الكردية في الأروقة الدبلوماسية والسياسية عند الحاجة، الأمثلة اكثر من أن تحصى، ففي داخل جغرافية الدولة التركية، حزب متهم بالأرهاب وآخر من نفس المنظومة معترف به قانونياً، إلى سوية  التعامل مع رئيس الولايات المتحدة الأمريكية دبلوماسيا، كان لقاء براك أوباما بأحد زعمائها تأكيداً على الاعتراف السياسي المطلق بالطرف السياسي الاخر للحزب المتهم بالإرهاب – حسب تقارير وزارة الخارجية الأمريكية –  لا يختلف وضع قوى في الأقليم الفيدرالي عن الآخرين، وكذلك الايراني. تصل درجة الهشاشة السياسية لدى القوى الكردية حد التعامل معهم بشكل فردي نادراً ما يرتقى إلى السوية الجماعية. القوى المحتلة لكردستان أو الخارجية قادرة على تحريك الشعب عامة أو مجموعات حزبية، حسب  الظروف والأجندات المطلوبة.

 كردستان وفلسطين وقود لطبخ مراجل الآخرين، معظم قدراتهم ووجهودهم تهدر في الصراعات الجانبية، الإنقسامات الداخلية، وتعدد الأحزاب، والاستراتيجيات المتنوعة، والمطالب المختلفة والمتضاربة، إلى جانب غايات وأهداف ضبابية خلقت معظمها خارج جغرافية هذين الشعبين، وآخر ما يتوقعه المحلل السياسي من حركتيهما، السياسية والثقافية، الإتفاق على تكتيك أو استراتيجة ما يخدمون بها الشعب وقضيته.

   خَلقْ فلسطينين متصارعين، وأربع اقسام مختلفة ومتضاربة لكردستان، وعشرات الأحزاب والمنظمات بينهم، دليل على مدى تلاعب الدول العالمية والمحيطة – الصديقة قبل المعادية – بهم، إنه اثبات على مدى تلاعب هذه الدول بمقدراتها وابقائهما في حالة ضعف دائم أمام هذه الخطط والمصالح الخارجية. الأفظع من كل هذا بشاعة الثقافات المتنوعة – ليست ثقافة واحدة –  التي نشرت وبقوة على مفاهيم الشعبين، وهي الركيزة الاهم التي أعتمدت عليها الحكومات الدكتاتورية  المسيطرة على كردستان  وتلك التي تسير قرارات القوى الفلسطينية.

 يبقى أمل الوصول إلى الغاية الكبرى – حرية في وطن موحد مستقل – هناك فيما وراء العقل الباطن لدى كل فرد فيهم، ولاتغيب هذه النزعة الأبدية عن مدارك الشعبين، ولم تؤثر فيها الثقافات المشوهة السائدة، إنها حقيقة تنتظر لحظة ظهور قائد فردي أو حركة سياسية – ثقافية تخرجها من شبه الضياع إلى الواقع العملي الفعلي، أو ربما تلتقي مصالح دول أصحاب القرار في المنطقة بمثل ذلك الخلق وتكوين الوجودين!.

د. محمود عباس

الولايات المتحدة الأمريكية

mamokurda@gmail.com

إيلاف

أضف تعليق